فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فهل} أي: ما {ينظرون} أي: ينتظرون وجودها إشارة إلى شدة قربها.
{إلا الساعة} وقوله تعالى: {أن تأتيهم} أي: الكافرين بدل اشتمال من الساعة أي: ليس الأمر إلا أن تأتيهم {بغتة} أي: فجأة من غير شعور بها. ولا استعداد لها. وقوله تعالى: {فقد جاء أشراطها} جمع شرط بسكون الراء وفتحها قال أبو الأسود:
فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا ** فقد جعلت أشراطًا وله تبدو

والأشراط: العلامات ومنه أشراط الساعة وأشرط الرجل نفسه أي ألزمها أمورًا قال أوس:
فأشرط فيها نفسه وهو يقسم ** فألقى بأسباب له وتوكلا

والشرط: القطع أيضًا. مصدر شرط الجلد يشرطه شرطًا قال السهيلي عن ابن سعد عن أنس قال رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام بعثت والساعة كهاتين وعن أنس قال: لأحدّثنكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم. ويكثر الجهل. ويكثر الربا. ويشرب الخمر. وتقل الرجال. وتكثر النساء. حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد وعن أبي هريرة قال: بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي. فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم: لم يسمع حتى إذا قضى حديثه. قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله قال: إذا ضيعت الأمانة. فانتظر الساعة فقيل: كيف إضاعتها قال: إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة.
ومن أشراطها انشقاق القمر المؤذن بآية الشمس في طلوعها من مغربها. وغير ذلك وما بعد مقدّمات الشيء إلا حضوره.
{فأنى} أي: فكيف وأين {لهم} أي التذكر والاتعاظ والتوبة {إذا جاءتهم ذكراهم} أي: الساعة لا تنفعهم.
نظيره قوله تعالى: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى} ولما علم بذلك أنّ الذكرى غير نافعة إذا انقضت هذه الدار التي جعلت للعمل. أوجاءت الأشراط المحققة الكاشفة لها. سبب عنه أمر أعظم الخلق تكوينًا ليكون لغيره تكليفًا فقال: {فاعلم أنه} أي: الشأن العظيم {لا إله} أي: لا معبود بحق {إلا الله} أي: إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين. فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية. فإنه النافع يوم القيامة وقيل: الخطاب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد غيره وقال الحسن بن الفضل: فازدد علمًا إلى علمك وقال أبو العالية وابن عيينة معناه إذا جاءتهم الساعة. فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله. {واستغفر لذنبك} أي: لأجله. أمر بذلك مع عصمته لتستن به أمته وقد فعله قال صلى الله عليه وسلم «إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» وقيل: معنى قوله: {لذنبك} أي: لذنب أهل بيتك وللمؤمنين والمؤمنات الذين ليسوا من أمتك بأهل بيت وقيل: المراد النبيّ. والذنب هو ترك الأفضل الذي هو بالنسبة إليه ذنب وحسناتنا دون ذلك قال صلى الله عليه وسلم «إنه ليغان على قلبي. وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة» وقيل: هو كل مقام عال ارتفع منه إلى أعلى منه. وقوله تعالى: {وللمؤمنين والمؤمنات} فيه إكرام من الله تعالى لهذه الأمّة؛ حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم {والله} المحيط بجميع صفات الكمال {يعلم متقلبكم} أي: تصرّفكم لأشغالكم بالنهار. ومكانه وزمانه {ومثواكم} أي: مأواكم إلى مضاجعكم بالليل أي: هو عالم بجميع أحوالكم. لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه. والخطاب للمؤمنين وغيرهم. وقيل: يعلم متقلبكم في أعمالكم. ومثواكم في الجنة والنار. ومثله حقيق بأن يخشى ويتقى وأن يستغفر ويسترحم. وعن سفيان ابن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله تعالى حين بدأ به {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} فأمر بالعمل بعد العلم وقال: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو} الآية. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)}.
خوّف سبحانه الكفار؛ بأنه قد أهلك من هو أشدّ منهم فقال: {وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هي أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أهلكناهم} قد قدّمنا أن (كأين) مركبة من الكاف وأيّ. وأنها بمعنى كم الخبرية أي: وكم من قرية. وأنشد الأخفش قول لبيد:
وكأين رأينا من ملوك وسوقة ** ومفتاح قيد للأسير المكبل

ومعنى الآية: وكم من أهل قرية هم أشدّ قوة من أهل قريتك التي أخرجوك منها أهلكناهم {فَلاَ ناصر لَهُمْ} فبالأولى من هو أضعف منهم. وهم قريش الذين هم أهل قرية النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكة. فالكلام على حذف المضاف. كما في قوله: {واسئل القرية} [يوسف: 82] قال مقاتل: أي: أهلكناهم بالعذاب حين كذبوا رسولهم.
ثم ذكر سبحانه الفرق بين حال المؤمن. وحال الكافر فقال: {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} والهمزة للأنكار. والفاء للعطف على مقدّر كنظائره. ومن مبتدأ. والخبر {كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ} وأفرد في هذا باعتبار لفظ (من). وجمع في قوله: {واتبعوا أَهواءهُمْ} باعتبار معناها. والمعنى: أنه لا يستوي من كان على يقين من ربه. ولا يكون كمن زيّن له سوء عمله. وهو عبادة الأوثان. والإشراك بالله. والعمل بمعاصي الله. واتبعوا أهواءهم في عبادتها. وانهمكوا في أنواع الضلالات بلا شبهة توجب الشك فضلًا عن حجة نيرة.
ثم لمّا بيّن سبحانه الفرق بين الفريقين في الاهتداء. والضلال بين الفرق في مرجعهما ومالهما فقال: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} والجملة مستأنفة لشرح محاسن الجنة. وبيان ما فيها؛ ومعنى {مَّثَلُ الجنة}: وصفها العجيب الشأن. وهو مبتدأ. وخبره محذوف.
قال النضر بن شميل: تقديره: ما يسمعون. وقدّره سيبويه: فيما يتلى عليكم مثل الجنة. قال: والمثل: هو الوصف. ومعناه: وصف الجنة. وجملة {فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ} إلخ مفسرة للمثل.
وقيل: إن {مثل} زائدة. وقيل: إن {مثل الجنة} مبتدأ. والخبر {فيها أنهار}. وقيل: خبره: {كمن هو خالد}. والاسن: المتغير. يقال: أسن الماء يأسن أسونًا: إذا تغيرت رائحته. ومثله الاجن. ومنه قول زهير:
قد أترك القرن مصفرًا أنامله ** يميد في الرمح ميد المالح الأسن

قرأ الجمهور {آسن} بالمدّ.
وقرأ حميد. وابن كثير بالقصر. وهما لغتان كحاذر وحذر.
قال الأخفش: إن الممدود يراد به الاستقبال. والمقصود يراد به الحال. {وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} أي: لم يحمض. كما تغير ألبان الدنيا؛ لأنها لم تخرج من ضروع الإبل والغنم والبقر {وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ للشاربين} أي: لذيذة لهم طيبة الشرب لا يكرهها الشاربون. يقال: شراب لذّ ولذيذ وفيه لذة بمعنى. ومثل هذه الآية قوله: {بَيْضَاء لَذَّةٍ للشاربين} [الصافات: 46] قرأ الجمهور {لذة} بالجرّ صفة لـ: {خمر}. وقرىء بالنصب على أنه مصدر. أو مفعول له.
وقرىء بالرفع صفة لـ: {أنهار} {وأنهار مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} أي: مصفى مما يخالطه من الشمع والقذى والعكر والكدر {ولهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} أي: لأهل الجنة في الجنة مع ما ذكر من الأشربة من كل الثمرات. أي: من كل صنف من أصنافها. و(من) زائدة للتوكيد {وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} لذنوبهم. وتنكير مغفرة للتعظيم. أي: ولهم مغفرة عظيمة كائنة من ربهم {كَمَنْ هو خالد في النار} هو خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير: أم من هو في نعيم الجنة على هذه الصفة خالدًا فيها كمن هو خالد في النار. أو خبر لقوله: {مثل الجنة} كما تقدّم. ورجح الأول الفراء. فقال: أراد أمن كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار؟ وقال الزجاج: أي: أفمن كان على بينة من ربه. وأعطي هذه الأشيئاء كمن زين له سوء عمله. وهو خالد في النار. فقوله: {كَمَنْ} بدل من قوله: {أفمن زيّن له سوء عمله} وقال ابن كيسان: ليس مثل الجنة التي فيها الثمار والأنهار. كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم. وليس مثل أهل الجنة في النعيم. كمثل أهل النار في العذاب الأليم. وقوله: {وَسُقُواْ مَاء حَمِيمًا} عطف على الصلة عطف جملة فعلية على اسمية لكنه راعى في الأولى لفظ {من}. وفي الثانية معناها. والحميم: الماء الحارّ الشديد الغليان. فإذا شربوه قطع أمعاءهم. وهو معنى قوله: {فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} لفرط حرارته. والأمعاء جمع معًى. وهي ما في البطون من الحوايا.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} أي: من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون. كما تأكل الأنعام من يستمع إليك وهم المنافقون. أفرد الضمير باعتبار لفظ {من}. وجمع في قوله: {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} باعتبار معناها. والمعنى: أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومواطن خطبه التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده {قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} وهم علماء الصحابة. وقيل: عبد الله بن عباس. وقيل: عبد الله بن مسعود. وقيل: أبو الدرداء. والأول أولى. أي: سألوا أهل العلم فقالوا لهم: {مَاذَا قال ءانِفًا} أي: ماذا قال النبيّ الساعة على طريقة الاستهزاء. والمعنى: أنا لم نلتفت إلى قوله. و{آنفًا} يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات. ومنه: أمر انف. أي: مستأنف. وروضة أنف. أي: لم يرعها أحد. وانتصابه على الظرفية. أي: وقتًا مؤتنفًا. أو حال من الضمير في قال.
قال الزجاج: هو من استأنفت الشيء: إذا ابتدأته. وأصله مأخوذ من أنف الشيء لما تقدّم منه. مستعار من الجارحة. ومنه قول الشاعر:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم ** ويأكل جارهم أنف القصاع

والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المذكورين من المنافقين {الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} فلم يؤمنوا. ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير {واتبعوا أَهواءهُمْ} في الكفر والعناد.
ثم ذكر حال أضدادهم فقال: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} أي: والذين اهتدوا إلى طريق الخير. فآمنوا بالله. وعملوا بما أمرهم به زادهم هدًى بالتوفيق. وقيل: زادهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: زادهم القرآن.
وقال الفراء: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدًى.
وقيل: زادهم نزول الناسخ هدًى. وعلى كل تقدير. فالمراد: أنه زادهم إيمانًا وعلمًا وبصيرة في الدين {وآتاهم تقواهم} أي: ألهمهم إياها وأعانهم عليها. والتقوى قال الربيع: هي الخشية. وقال السديّ: هي ثواب الآخرة. وقال مقاتل: هي التوفيق للعمل الذي يرضاه. وقيل: العمل بالناسخ وترك المنسوخ. وقيل: ترك الرخص والأخذ بالعزائم {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي: القيامة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي: فجأة. وفي هذا وعيد للكفار شديد. وقوله: {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} بدل من {الساعة} بدل اشتمال.
وقرأ أبو جعفر الرواسي (إن تأتهم) بإن الشرطية {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} أي: أماراتها وعلاماتها. وكانوا قد قرؤوا في كتبهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء. فبعثته من أشراطها. قاله الحسن. والضحاك.
والأشراط جمع شرط بسكون الراء وفتحها.
وقيل: المراد بأشراطها هنا: أسبابها التي هي دون معظمها.
وقيل: أراد بعلامات الساعة: انشقاق القمر والدخان. كذا قال الحسن.
وقال الكلبي: كثرة المال. والتجارة. وشهادة الزور. وقطع الأرحام. وقلة الكرام. وكثرة اللئام. ومنه قول أبي زيد الأسود:
فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا ** فقد جعلت أشراط أوله تبدو

{فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} {ذكراهم} مبتدأ. وخبره {فأنى لهم}. أي: أنّى لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة كقوله: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى} [الفجر: 23] و{إذا جاءتهم} اعتراض بين المبتدأ والخبر.
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله} أي: إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة. ومدار الشرّ هو الشرك والعمل بمعاصي الله. فاعلم أنه لا إله غيره. ولا ربّ سواه. والمعنى: اثبت على ذلك واستمر عليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان عالمًا بأنه لا إله إلاَّ الله قبل هذا. وقيل: ما علمته استدلالًا فاعلمه خبرًا يقينًا.
وقيل المعنى: فاذكر أنه لا إله إلاَّ الله. فعبّر عن الذكر بالعلم {واستغفر لِذَنبِكَ} أي: استغفر الله أن يقع منك ذنب. أواستغفر الله ليعصمك. أواستغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى.
وقيل: الخطاب له. والمراد: الأمة. ويأبى هذا قوله: {وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} فإن المراد به: استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في أعمالكم {وَمَثْوَاكُمْ} في الدار الآخرة. وقيل: متقلبكم في أعمالكم نهارًا. ومثواكم في ليلكم نيامًا.
وقيل: متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات. ومثواكم في الأرض. أي: مقامكم فيها.
قال ابن كيسان: متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا. ومثواكم في القبور.
وقد أخرج عبد بن حميد. وأبويعلى. وابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: «أنت أحبّ بلاد الله إليّ. ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج. فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه. أوقتل غير قاتله. أوقتل بدخول الجاهلية» فأنزل الله: {وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ} الآية.
وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن عباس {أنهار من ماء غير آسن} قال: متغير.
وأخرج أحمد. والترمذي وصححه. وابن المنذر. وابن مردويه. والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في الجنة بحر اللبن. وبحر الماء. وبحر العسل. وبحر الخمر. ثم تشقق الأنهار منها» وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده. والبيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة. ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة. ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة. ونهر سيحان نهر الماء في الجنة.
وأخرج ابن جرير. والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير. عن ابن عباس في قوله: {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قال ءانِفًا} قال: كنت فيمن يُسأل.
وأخرج عبد بن حميد من وجه آخر عنه في الآية قال: أنا منهم.
وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة؛ لأنه كان إذ ذاك صبيًا غير بالغ. فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم مات وهو في سنّ البلوغ. فسؤال الناس له عن معاني القرآن في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم. ووصف الله سبحانه للمسؤو لين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم. من أعظم الأدلة على سعة علمه. ومزيد فقهه في كتاب الله. وسنّة رسوله. مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس: ماذا قال آنفًا؟ فيقول: كذا وكذا. وكان ابن عباس أصغر القوم. فأنزل الله الآية. فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم.